قصة اقرب الى الخيال
ولكن لن اكون سوداوية اكثر ,, سأقول ممكن تحصل
> > الله يرحم ســـعد ويغفر له ويرزقه
> > دار احسن من داره وأهل خير من اهله
> > ويعوضه صبره كل خير
>
> > أيُ عائلةٍ ثريةً كانت
> > أم
> > فقيرة، هناك فقط وسيلةٌ
> > واحدةٌ تثبت ثراءَها الحقيقي،
> > الثراءُ الذي يهمّ فعلا،
> > وهو
> > الثراءُ الذي يهبه
> > الحبّ.
> > هذه رسالة وصلتني من
> > زوجةٍ سعوديةٍ،
> > وقصتها كما تقول شهرزاد في ألف
> > ليلة وليلة: «قصة تُكتـَبُ بالإبر
> > على مآقي البصر لتكون
> > عبرةً لمن اعتبر». قصةٌ جعلتني
> > أرتفع عن واقعي، وأسبح في
> > عوالم متباينةٍ من
> > العواطف، أغالب الدمعَ مرات،
> > وأتوهج بالابتسامة حينا.. كتبَتها
> > لي
> > بإنجليزيةٍ صافيةٍ، لأنها
> > لا تعرف أن تكتب وتعبر كما تريد
> > بالعربية، وأترجمها
> > هنا
> > وأنا أعرف أني لن أكون
> > أميناً في نقل العاطفة المتدفقة،
> > وشعور المحبة الخفية الغامرة،
> > ومقدار الوفاء الذي يقطرُ عذوبةً،
> > رغم التشنّج، من الكلمات. قصةٌ
> > تعطي
> > أجمل وأسمى معاني الحب
> > المتفاني من زوجٍ لزوجته، قصة
> > تلمع مثل كوكبٍ دري بين
> > أجسام معتمة من قصص
> > المآسي الأسرية التي نتداولها كل
> > يوم، قصةٌ تقول إن كلّ واحدٍ منا
> > من
> > الممكن أن يهبَ الحبّ،
> > وإنه بهذه الهبة يكون من أكثر
> > الناس سعادة على الأرض..
> > لأن
> > مكافأتها اتصالٌ روحي مع
> > الرضا الكلي لقرارة النفس، وسلامة
> > الوجدان، وصحة
> > الكيان، وسموّ
> > العطاء.
> > «أنا امرأةٌ
> > مريضةٌ نفسيا، أو لك أن تقول
> > مصابة بذهانٍ عقلي، وللأسف فإن
> > هذه الظاهرة تتوارث في الأسرة،
> > فقد كانت أمي مصابة بذهان
> > عقلي عنيف جعل حياتها قطعة من جهنم
> > على الأرض، حيث لم تعش إلا على
> > مذاق
> > الضرب والإذلال من أهلها
> > ثم من زوجها الذي هو أبي، ثم من
> > زوجاتِ أبي اللاتي كنّ يكوينها
> > بالنار، ويتمتعن في تعذيبها.. لم
> > تعرف أمّنا أن تربينا، كانت كل
> > حياتها لا تتقلبُ إلا
> > على جمر الكراهية والاحتقار. وكان
> > قلبُ أمي مجدبا خاليا من
> > أحاسيس الأمومة،
> > خاليا تماما من الحب، كما تخلو
> > الصحراءُ من قطرةِ ماء. لذا عاشتْ
> > أمي
> > وماتت فقيرة في الحب، لم
> > تنله، ولم تعطه.
> > والمرض انتقل لي من
> > الطفولة، وصرتُ أتلقى
> > المصير ذاته من كل يدٍ تطولني، كنت
> > أُضْرَبُ من أبي، ومن إخواني،
> > ومن
> > أخواتي، ومن زوجات أبي،
> > ومن مدرساتي.. وحتى أن أولَ طبيبٍ
> > عرضتني عليه خالتي
> > صفعني على وجهي من
> > أول مقابلةٍ، وما زال بي ضعفُ سمعٍ
> > من تلك الصفعة التي أشعر إلى
> > اليوم بثقل اليد
> > الآثمة التي هوَت علي. ثم رأى أبي
> > وبتحريضٍ من الجميع أن أنقطع
> > عن
> > الدراسة وأنا في الثانية
> > عشرة من عمري، وعشتُ حالة أمي:
> > فقيرة للحب، لا أعطيه
> > ولا
> > أناله. لقد طعنتُ أخي
> > الصغير غير الشقيق بالسكين،
> > وأحرقتُ يوما مطبخ
> > العائلة، ومزقتُ يدَ
> > بنت الجيران بأسناني، لا لسببٍ
> > إلا لهذا الكره الذي يثور في قلبي
> > مثل
> > عفريتٍ من نار.
> > لذا حين بلغت الخامسة عشرة
> > من
> > عمري، كان تفكيرُ أبي
> > الوحيد أن يتخلص مني، حبسني في
> > غرفةٍ، ولكني نكّدتُ
> > هناءتهم بصراخي
> > الليلي حتى إن الجيران شكوا كثيرا.
> > حاول أن يدخلني مدرسة داخلية
> > بالخارج ولكني هربتُ
> > منها.. ثم علِم أبي أني يوما أختبئ
> > في غرفة حارس المنزل،
> > فأعادني للبلاد..إلى
> > الغرفةِ المشئومة.
> > وكان هناك سعد (الاسم
> > مستعار) وهو أحد موظفي
> > والدي بالشركة ويكبرني بعشرة
> > أعوام، فقد كان وقتها بالخامسة
> > والعشرين من عمره وأنا في
> > الخامسة عشرة. وصار ديدنُ أبي
> > الوحيد هو إقناع الشاب سعد
> > بالزواج بي.. على أن «سعد»
> > وأهلـَهُ قاوموا الفكرة بشدة، حتى
> > طرأتْ على أبي فكرةٌ لا تُرَد
> > ولا
> > تُصَد.. أغرى سعد بالدراسةِ
> > في الولايات المتحدة على حساب
> > الشركة تحت شرطٍ واحد:
> > أن
> > يتزوجني وألاَ يراني ولا
> > هو أبداً بعد ذلك.
> > وافق سعد، وأقيم لنا حفلٌ
> > مثل
> > المحافل السرية سريعٌ
> > وسابقُ التجهيز، واتجهتُ وأنا
> > عروس في الليلة ذاتها
> > للمطار للسفر إلى
> > الولايات المتحدة، بعد أن شرط
> > سعدُ أن يضمن من أبي مبلغاً مقدّما
> > كبيراً من المال،
> > وضمانة بنكية لكامل دراسته، وهذا
> > ما حصل.. وتخلص مني أبي إلى
> > الأبد.
> > في الطائرة كان سعد
> > صامتاً، ثم صار يبكي
> > طوال الرحلة.. ولم يكن سعد يعني لي
> > أي شيء، بل لم يكن هناك أي إنسانٍ
> > يعني
> > لي أي شيء أبدا.. ولم تتجاوب
> > عواطفي مع دموعِهِ، كنتُ كتلةً من
> > الجليد، لا بل من الخشب العفِن
> > الجاف. حين وصولنا لأمريكا قلتُ
> > لسعد: «تخلص مني يا رجل، فأنا
> > خطرةٌ عليك، بل
> > خطرة على حياتك، فأنا لا أعرف إلا
> > أن أقدم لك شيئا واحدا: الكراهية.
> > فأنا
> > أكرهك جدا، ولا أعرف غير
> > هذا الإحساس وليس في داخلي غيره كي
> > أعطيك، تخلص مني، هذه أمريكا،
> > ارمني بأي مكان، بأي معهد، بأي
> > مستشفى، فمعك الآن ثروة من
> > المال..» على أن «سعد» لم ينبس
> > ببنتِ شفةٍ ثم انخرط في بكاءٍ
> > كبكاء الأطفال.. فازدريته وكرهته
> > أكثر، ولو كان معي
> > سكينٌ لشققت عينيه اللتين تنبعان
> > بالدموع.
> > «..
> > حين وصلنا لشقتنا الصغيرة
> > في
> > إحدى ضواحي ولاية «يوتاه»،
> > جلس سعد أمامي، ثم أخذ كلتا يدَي
> > وراح يقبلهما، وقال لي: «اكرهيني كما
> > تشاءين، فأنا لن أنسى أنك صاحبة
> > فضل ومنّةٍ عليّ، أنا صنيعةٌ
> > من
> > صنائعك، لولاك لما تيسر لي
> > إكمال دراستي هنا، وهي أكبرُ
> > أحلامي، وأقوى
> > طموحاتي، وتأكدي أني
> > سأبذل كل بقية عمري لإسعادك».
> > ولكنه كان يخاطب كتلةً عجفاء من
> > الخشب الأجوف من أي
> > عاطفةٍ نبيلةٍ.. ففاجأته برفسةٍ
> > أسالت الدماءَ من لثته.. وكأني
> > في
> > داخلي اشتقتُ للضرب الذي
> > اعتدتُ عليه طيلة حياتي، وكنت
> > أتوقع أن يضربني دفاعا
> > عن
> > نفسه.. إلا أنه ذهبَ وفرش
> > سجادته وراح يصلي.. وفي داخلي
> > تمورُ زوابعُ الغضب والكراهية،
> > فقفزت عليه وهو راكعٌ ورحتُ أضربه
> > وأعضّه وهو يصرخ من الألم، ثم
> > مسك
> > يدَيْ بكل ما أوتي من قوة،
> > حتى انهرتُ من التعب.. ونمت. وكانت
> > هذه أول ليلة بين زوجين حديثي
> > الزواج. في الصباح، وكنت قد هدأتُ
> > من النوبةِ العصبية، مع أني لا
> > أراه
> > كما يرى الناسُ الناسَ،
> > وإنما أراه يداً عملاقة خشنة بلا
> > رحمة ستهوي على صدغي وتحطمه كما
> > فعل بي ذلك الطبيب، وكما فعل أهلي
> > منذ عرفتُ الدنيا، أخذني سعد
> > إلى
> > مستشفى يبعد عشرين ميلا عن
> > ضاحيتنا، حيث تسلمني ممرضون ضخام
> > ملفعون بالبياض، واحتجزوني
> > بعيدا عن سعد.. وهناك بقيتُ أربع
> > سنوات.
> > «هل تركني سعد
> > وتخلص مني أخيرا؟» هذا ما كنت
> > أفكر فيه وأنا محجوزة في غرفةٍ
> > بيضاء فيها سرير بأغطية نظيفةٍ،
> > وحمّامٌ لصيقٌ ناصع
> > البياض.. وكنت أود أن أمزق كل شيءٍ
> > حولي، ولم أجد إلا لحمي، على
> > أن
> > محاولاتي راحتْ هباءً
> > عندما وعيت علي يدَيْ المربوطتين
> > بوثاقٍ قوي مغطى
> > بطبقةٍ أسفنجيةٍ حتى
> > لا تُدمي معصمَي.
> > على أن سعد جاء يزورني
> > عندما أخرجوني
> > للقاء طبيبي المعالج، وكان يرتعد،
> > وعلى وجهه علامات فزع حقيقي وخوف،
> > وقال
> > لي مرة أخرى: «عاهدتك بأني
> > سأبقى معك إلى الأبد، ولو تطلب
> > الأمرُ أن أسكن معك هنا..»،
> > فبصقتُ في وجهه. مسح وجهه وهو يكرر:
> > «حتى لو سكنتُ معك».
> > أربعُ سنواتٍ وأنا في
> > المعهد، وسعد يتابع
> > دراسته حتى حصل على البكالوريوس،
> > وسجل في الماجستير، وكان يعمل في
> > فندق
> > بالمدينة كحامل حقائب مع
> > أن والدي لم يتوقف أبداً عن إرسال
> > المال، إلا أن مصروفات علاجي كانت
> > باهظة. وسعد هو الذي اقترح على
> > إدارة المستشفى أن توفر لي
> > مُدَرّسة خصوصية،
> > فأتقنتُ الإنجليزية في سنةٍ
> > كأهلها، وعجبت أن يقول لي أحدٌ
> > لأول مرة، وهي أستاذتي
> > الأمريكية: «أنت في منتهى الذكاء
> > والجمال». وبالفعل صرت أتجاوب مع
> > العلاج، حين اقترح
> > سعد أيضا أن يأخذني لمدرسةٍ
> > قريبة، في المرحلة المتوسطة،
> > وتعهد أن أكون تحت ضمانته
> > ومسؤوليته ووقّع على كومةٍ من
> > أوراق التعهدات مع وجود محامي
> > المعهد.
> > تحسنت حالتي بشكل كبير
> > وسعد الآن قد نال
> > الدكتوراه، وعمل في شركة كبيرة،
> > وبراتب مجزٍ، واستأجرَ منزلا
> > ريفيا صغيرا كالأحلام،
> > وأنا ارتفعت ذائقتي مع الوقت،
> > وتعلقتُ بحبال الحياة، وضاع بعض
> > من الغضب الذي يعتمل
> > في قلبي، وصرت أكثر وعيا في عقلي
> > الداخلي، بل إن المدرسة أعطتني
> > جائزة للسلوك
> > والتفوق. ما زالت النوبات تأتيني
> > بين فترةٍ وأخرى، ولكنها تباعدتْ
> > وخفّتْ، ثم نصحتني
> > صديقاتي الأمريكيات بأن أنجبَ
> > طفلا أو طفلة، لأكتشف، لروعي، أني
> > لا
> > أستطيع الإنجاب.. وثبت أني
> > كعاطفتي مجرد شجرةٍ عجفاء لا
> > تثمر.. وهنا خفتُ لأول مرةٍ، خفت أن
> > «سعد» سيتركني، أنا لم أكن أحبه،
> > ولكنه كان وسيلتي كي أستمر
> > في
> > الحياة.. ولمّا علِمَ، أكّد
> > لي أني حبيبته إلى النهاية، ولم
> > أعرف مذاقا لكلمة حبيبة.. شيء
> > لا أتلقاه.. شيءٌ لا
> > أعطيه.
> > ثم كان يجب أن نعود إلى
> > بلدنا، وتهافتت على
> > سعد العروضُ واختار أحسنها،
> > وحاولت أمُّه بكل جهدها أن
> > تزوّجه، ولكنه كان يؤكد
> > لأمِّهِ بإصرارٍ كلّ مرّةٍ: «أمي
> > أنا متزوجٌ، وسعيدٌ مع زوجتي..»
> > وعفريتُ الكراهية
> > الذي غاص في الأعماق مازال يضج
> > بنعيقه في وجودي: أما آن لهذا
> > الرجل أن يفهم؟!
> > أصيب سعد بورمٍ في الدماغ
> > لم
> > يمهله طويلا، ومات قبل
> > أسبوع من رسالتي لك.. واكتشفتُ
> > أنّه لم يعد لي مبررا
> > في
> > الحياة، إلا أني فعلت مثله
> > في أول يوم زواجنا فأديتُ الصلاة
> > التي كان يسميها «الصلاة
> > الخاصة مع ربي»، فنصحتُ نفسي
> > وكأني منفصلة عن نفسي، بأن أكتبَ
> > إليك..
> > إني أكتبُ إليك لكي يحبَّ
> > الناسُ «سعد»، هذا
> > الزوجُ الذي كان إنسانا يسَعُ
> > قلبُهُ الأرض، هذا الرجلُ الرائعُ
> > الذي
> > أحبّ حتى النهاية امرأةً
> > لا تعرف معاني الروعة.. ولأقدّم
> > الرجلَ الذي كانت
> > الزوجات الأمريكيات
> > يقلن لي: «أهكذا الأزواجُ
> > السعوديون؟ إنك محظوظة بهذا
> > الزوج.. محظوظة جدا». ولعلّ
> > قراءك يحبونه لينجحوا فيما فشلتُ
> > أنا فيه..».
> > انتهتْ رسالة الزوجة التي
> > أراها قد أحبت
> > زوجها محبةً نادرة، وإن كانت لا
> > تستطيع الإفصاح عن الحب.. وعن هذا
> > الزوجُ الذي عاشَ
> > ملاكاً، ومات ملاكاً.
> >
> >